top of page

مترجمة لغة الإشارة عبير اغبارية من مصمص: الإنسانية لغتي

  • صورة الكاتب: ahmadta773k
    ahmadta773k
  • 26 نوفمبر 2022
  • 4 دقائق قراءة

الأحلام لا تتحقّق بسهولة، والطّريق نحو تحقيقها هي الذكرى الأجمل التي ستبقى أبدًا، في مجتمعنا شباب وشابات يستحقّون أن نسلّط الضّوء على تجاربهم ونجاحاتهم وأن نعيش معهم الحلم ونتابع معهم الطريق.


لغة الإشارة هي لغة غير صوتية ووسيلة تواصل لكل من يعاني من الصمم والبكم مع أنفسهم ومع العالم الخارجي، ولكل دولة توجد لغتها الخاصة، تقرير اليوم هو بمثابة خطوة أولى لشابة وضعت هدفًا نصب عينيها تسلّط من خلاله الضّوء على الصم وثقيلي السّمع لتُعلي صوتهم في مُجتمعنا. عبير رائد مفيد اغبارية (24 عامًا) من قرية مصمص مترجمة إشارات أنهت اللقب الأول بموضوع التربية الخاصة وطالبة للقب الثاني بموضوع الاستشارة العائلية.



بدأت عبير حديثها قائلة: "أنا أحب اللغة العبرية، وكنت أودّ دراستها أكاديميًّا ضمن موضوع التّرجمة، وبالصّدفة البحتة وقع نظري على موضوع لغة الإشارة، ومن المعروف أنّه في البلاد هذه اللغة تدرّس باللغة العبرية، توقّفت عندها وجذبتني وقرّرت التّعمّق أكثر بها، فتعلّمت في جمعية انصت بعدها بدأت الأبواب أمامي تفتح على مصراعيها في هذا المجال، درست في جامعة اريئيل لمدة سنتين ونصف ترجمة عبرية ولغة إشارة اسرائيلية. وخلال فترة الدراسة عملت كمترجمة مستقلّة في عدد من المجالات، مع أشخاص ثقيلي السمع في أماكن جديدة بتجارب جديدة وهذا الأمر كان بمثابة تحدّ لي وبعيد عن منطقة الراحة التي اعتدت عليها".


العمل مع مجموعات مستضعفة

قبل أن أفكر بالانخراط في هذا المجال، لطالما استهواني العمل مع المجموعات المستضعفة في المجتمع، والتي أراها بعيدة عن الأضواء لأنّها مختلفة، دائمًا كنت أبحث عن الأماكن التي أستطيع التطوّع فيها مع هذه المجموعات، وعندما وجدت مكانا دافئا للصّم وثقيلي السمع وهو جمعية أنصت انضممت بسرعة إليها، عندها بدأت بالانكشاف أكثر على هذه الفئة، وشعرت أنّه من واجبي أن أبدأ برفع الوعي في المجتمع من خلال المساحة التي أستطيع عبرها أن أؤثر. بالذّات بعد أن تبيّن لي كمّ الفجوات الهائل الذي يعيق هذه الفئة من الناس من أن تكون في مكانها الصحيح وأن تحقق ذاتها، لأن المجتمع يعيقها من التّقدم ويحددها ضمن مجموعات تعتبر فيها أقلية ضمن أقلية. ومن هنا اتّخذت هذا المجال مسار تحد بالنسبة لي أريد من خلاله أن أحقق لهؤلاء الأشخاص قدر الإمكان نقلة نوعية وتسليط الضّوء عليهم بكل شكل مُتاح أمامي لأنهم يستحقون الفُرصة، واختلافهم لا يعني تهميشهم ووضعهم في الزاوية وكأنّهم دون نفع، على العكس، هم أشخاص مبدعون ولديهم الكثير ليقولوه، فقط على المجتمع أن ينصت إليهم. أنا لا أؤمن أنّ هناك شخصا مُعاقا لكن هناك فئة من المجتمع تُعيق، وأعلم أنّ الوعي المجتمعي يحتاج إلى وقت كي ينضج أكثر ولكنّني سعيدة اليوم بأنّنا بدأنا نرى تحسّنا في نظرة المجتمع إلى هذه الفئة، وبدء منح الفُرص لهم، ونطمح دومًا إلى المزيد حتى يصبح الجميع متساويًّا. لا شكّ وأنّ هذا المجال رغم الاكتفاء الذّاتي الذي يمنحه لي والتقدّم الذي ألحظه كثيرًا حتّى ولو بشكل بطيء، إلا أنّ هذا كلّه يأتي بعد الكثير من التّحديات والصّعوبات والضغوطات، بالذات في ظل نقص كبير في عدد المترجمين العرب للغة الإشارة وخاصّة المترجمات النّساء، والحقل يحتاج لعدد مترجمين أكبر لضمان احتواء أكبر لجميع الصّم وثقيلي السّمع في الظروف الصّعبة والمختلفة التي يحتاجها كل واحد منهم إن كان في المدرسة، والجامعة، وأماكن العمل، ومالوافق المختلفة والمستشفيات وغيرها فمثلا في الكثير من الأحيان كان يُطلب منّي أن أترجم ولادات لأمهات ثقيلات السّمع، ولم بكن بالأمر الهيّن.

مواقف لا تُنسى

من بين المواقف التي أذكرها جيّدًا ضمن العمل على إدماج الأشخاص ثقيلي السّمع في سوق العمل، كنت أبحث لأحدهم على عمل وقدّمت له لوظيفة في شركة في أم الفحم، وكنت أنا في الجلسة مع الشخص والمدير وحاولت تقديم شرح مفصّل عن قدراته وإمكانياته في العمل، حتّى وافق المدير على تشغيله بعد أكثر من نصف ساعة، وهو يعمل حتّى يومنا هذا، والمُفرح في الأمر أنّ هذا الشخص أثبت جدارته في العمل ولاحقًا طلب منّي المُدير أن أجد له أشخاصًا آخرين مثله للعمل لديه، بالمقابل هناك الكثير من المُشغّلين الذين يرفضون الحديث أصلا ويقفلون الهاتف في وجهي لمجرّد أن يعرفوا أنّ الشخص الباحث عن عمل مع احتياجات خاصّة، وهذا مؤلم ومجحف بحقّهم. موقف آخر لا أنساه، كنت أعرف شخصا أصمّ وهو من الدّيانة المسيحيّة، وعندما قرّر الزواج طلب منّي أن أترجم له نصّ الزواج "الإكليل" داخل الكنيسة وأن أقرأه بلغة الإشارة، في البداية كانت لديّ تساؤلات كثيرة بالذّات وأنّني شابّة مُسلمة ومحجّبة، وبعد تفكير مطوّل قرّرت أن أقدم على هذه الخطوة الإنسانيّة، فجلست مع الخوري لأفهم هذا الطقس الديني المقدّس، وأعطاني الصفحات التي عليّ أن أطلع عليها لأحضرها مُسبقًا، في اللحظة التي كان بها يُكلّل الخوري العروسين كنت أقف إلى جانبه والجميع كانوا بحالة من الدهشة والتأثّر والترحاب وكان هذا من أكثر المواقف الإنسانية التي جعلتني أتأكّد أنّني في المكان الصحيح وأنّ رسالتي أكبر من كل اختلاف والإنسانية لغتي.


الداعمون

أهلي هم حجر الأساس الذي بنيت من خلاله طموحي وأحلامي، هم الداعمون الاوائل في مسيرتي التي لا تزال في بدايتها، لولا أمي وأبي وأهلي لما ذقت طعم النجاح بكل خطوة أخطوها، فلا أنسى كيف كانت تبقى أمي في السيارة لساعات طويلة بانتظاري حتّى أنهي تعليمي، كانت تصرّ على أن ألتحق بالمساقات التي ستساعدني في مسيرتي، وأحيانا تؤجّل أمورها الخاصّة من أجل أن تكون معي وإلى جانبي. هذا الدّعم الكبير الذي وجدته من أهلي جعلني أتشجّع كثيرًا وأطور من نفسي وأكون أكثر ثقة بكل ما أقوم به.


رسالة..

أتمنّى من كل قلبي أن يصبح المجتمع غير مُعيق لكل من هو مُختلف، وأن يُفسح المجال لكل شخص مهما اختلف بأن يحقق نفسه وأن يفرح في هذه الدنيا دون أذى أو تنمر أو إحباط أو شفقة، لنا مكان جميعًا ولكل شخص دوره الذي يُمكن أن يكون فعالًا به لو أعطي الفرصة ليثبت جدارته. وأتوجّه لكل المُشغّلين برجاء خاص، ذوو الاحتياجات الخاصة وثقيلي السّمع والمختلفون هم أشخاص مبدعون ومن الممكن أن يثبتوا أنفسهم في أي عمل كل واحد بحسب كفاءته، فقط أعطوهم الفرصة ليثبتوا لكم جدارتهم، شغّلوهم ولا تستثنوهم من وظائفكم، لهم الحقّ أن يجرّبوا وأن يخوضوا تجربة العمل والاعتماد على النفس. آمنوا بهم وستذهلكم النتائج. نأمل أن تتغيّر نظرة المجتمع السلبية لكل مختلف ونبدأ ننظر إلى الآخرين بنظرة متساوية وإنسانية.


أما رسالتي للصم وثقيلي السّمع، آمنوا بأنفسكم، ورغم كل التّحدّيات أنا أثق بأنكم تستطيعون أن تتخطوها جميعًا وأن تثبتوا أنفسكم في كل مكان، اعتمدوا على أنفسكم ولا تتكلوا على أحد أنتم قادرون أن تحققوا أحلامكم بأنفسكم وأن تعيشوا الحياة باستقلالية كما يجب، اجتهدوا واسعوا.


 
 
 

Comments


bottom of page